عائض الأحمد
حين كنّا أطفالًا، لم يكن شيء يقيّد خطواتنا، ولم نكن ننظر خلفنا. كنا نمضي ببساطة، نفعل ما نريد، ونترك العاقبة للزمن.
واليوم… كم نحن في حاجة إلى أن نستعيد شيئًا من تلك البراءة، أن نمضي كما كنا، بلا خوف من النتيجة، وكأننا نُعلن للكون: سأمضي، ولتأتِ العواقب من بعدي.
لقد خلقتُ قيودًا من العدم، وهرمتُ وأنا أحاول حلّ عُقدها، حتى ذابت يدَيَّ وخفت النور من حولي. وأصبح رجائي أن أعيش اللحظات كما كانت، دون أوزار أثقلت مسيرنا.
لكنّي أدركت في النهاية أن المضي لا يعني الهروب، بل يعني الشجاعة في مواجهة كل ما كُبّلنا به، وأن البراءة التي فقدناها ليست حلمًا ضائعًا، بل شعلة يمكن أن نعيد إشعالها متى صدقنا الطريق مع أنفسنا.
سأمضي… لا إلى حيث يفرضون؛ بل إلى حيث أختار.
كانت تعلم، وستظل تعلم، أنّها حلمي الصغير الذي كبر وترعرع، وسقيتُه ماء عيوني، فسَرى في وريدي دمٌ بلونها الوردي، يحمل عبير عطرها الذي اعتدتُه وفُطرتُ عليه. أتنفّس نسيمها، وتعود بي الأيام معها، دون أن أنظر إلى مَن حولها… وكأن المكان والزمان خُلقا لها وحدها.
واليوم، وأنا أسير بين أصداء الماضي والحاضر، أكتشف أن ما تركته خلفي لم يكن مجرد ذكريات، بل جسورًا صنعتني، ودفعتني لأعرف أن الحياة لا تُقاس بما نخسره، بل بما نستمر في أن نختار.
سأمضي… حاملًا ضوء البراءة في قلبي، رغم المشقة، رغم كل القيود، لأجد نفسي في كل لحظة جديدة.
الوحدة… قاتلة متمردة، تغويك، تنهكك، وتستبد بذكرياتك، وتسخر منها. تمد يد الشيطان لغوايتك، وأحيانًا تودعك مودعَ الإنس، لتعيد ترتيبك، وتستدعي أفكارك، وتصفّي ذاكرتك، وتشعل تلك الشمعة التي أغرقها سيل عفافك. فتوقِد فيك حماسة الصبا، وتورثك أيامك الخوالي، كأن لقاءها اليوم، ولم يكن غدًا.
وأحيانًا، أجد في صمت الليل صديقًا، يحملني فوق وجعي، ويرسم لي طرقًا جديدة لأستعيد الأرواح التي ذهبت، لأعيد بناء عالمي من جديد. وأدرك أن المضي لا يعني أن أنسى، بل أن أحتضن الماضي، وأحوّله إلى قوة تدفعني إلى الأمام. أبدأ كل يوم وكأنني طفل صغير مرة أخرى، أستعيد براءتي، وأسمح لعيني أن ترى العالم بلا قيود، ولقلبي أن يحب بلا حدود.
وضعتك أقصى حدودي، فضاق بنا الطريق، واقفرت بنا الخضراء.
ندور في فلك يضيق ويتسع، فتلامسي أطراف أضلعي وشغاف قلبي بيديك الباردتين، وكأنك الماء وأنا الحياة.
فما كان لوجعنا دواء، كلما اقتربنا زاد هيامنا، وتقطعت بنا الأسباب.
أي جنون يسكننا؟ نفعل هذا أم نفعل ذاك؟ الوقت ضيق، والأيام لا تتوقف.
لها: لكلِّ أحدٍ مكانٌ يُنسب إليه، أمّا أنا فقد جعلتُكِ القبلةَ والعشيرة، فكنتِ خيرَ المعشر.
شيء من ذاته: ويحَ الظلامِ يتكسّر وينجلي إن طَلَّ جبينُكِ في غسق الدجى.
نقد: يقولون: أليس لك حق؟ وأيُّ حقٍّ أنشده في حضرتها؟